جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب
73163 مشاهدة
سنن الغسل

...............................................................................


أما سننه فله سنن :
الأولى: أن يقدم الوضوء قبل الغسل. فلو اغتسل قبل أن يتوضأ أجزأ ذلك، ولكن الأفضل أن يتوضأ ثم يغتسل.
الثاني أن يزيل ما لوثه من الأذى يعني: المني الذي تلطخ على فخذيه أو نحو ذلك يدلكه حتى يزيله وإذا كان على بدنه نجاسة من براز أو نحوه يزيله وينظفه.
الثالث: أن يفرغ الماء على رأسه ثلاثا. أن يبدأ بغسل رأسه ثلاثا ويدلكه ويخلله.
السنة الرابعة: أن يغسل بقية جسده ثلاثا. يعني: يثلث بشرته كلها كما أنه في الوضوء يسن أن يكون ثلاثا.
الخامس: أن يبدأ يميامنه. يغسل شقه الأيمن قبل الأيسر. شق رأسه الأيمن قبل الشق الأيسر، يغسل منكبه الأيمن ثم الأيسر وعضده الأيمن ثم الأيسر، وجنبه الأيمن ثم الأيسر وهكذا.
السادس: الموالاة وذلك بألا يفرقه وليس واجبا. فلو غسل نصف جسده الأعلى في أول الليل، ثم في آخر الليل غسل النصف الأسفل ارتفع الحدث لا تشترط الموالاة كالوضوء ولكنها مسنونة.
السابع: أن يمر يده على ما تصل إليه من جسده؛ لأن هذا هو الأصل. الغسل هو إمرار اليد على المغسول فيداه يستطيع أن يغسل بهما رأسه ورقبته ومنكبيه وعضديه وذراعيه وبطنه وصدره وإبطيه وجنبيه وأسفل ظهره وأليتيه وفخذيه وساقيه. يبقى أسفل الظهر قد لا تصل إليه يده. يعني: وسط الظهر يعني ما أسفل. ما بين المنكبين إلى أسفل هذا الذي لا تصل إليه عليه أن يصب عليه الماء ويكثر من صب الماء عليه حتى يتحقق أنه ابتل.
الثامن: إعادة غسل رجليه بمكان آخر. إذا كانتا في مستنقع الماء، فأما إذا كان الماء يزل ولا يبقى فإذا غسلهما مع الوضوء ومع الغسل كفاه ذلك.
والحاصل أنه أُخذ من هذا الوصف يمكن عشر صفات:
الأولى: النية .
والثانية: التسمية .
والثالثة: غسل الكفين ثلاثا .
والرابعة: غسل الفرج ودلكه.
والخامسة: غسل ما لوثه من المني ونحوه .
والسادس: الوضوء وضوءا كاملا .
والسابع: غسل الرأس يعني صب الرأس يعني البدء بالرأس.
والثامن: غسل بقية الجسد .
والتاسع: التثليث أن يغسله ثلاثا .
والعاشر: التيامن .
والحادي عشر: الموالاة .
والثاني عشر: إمرار اليد على المغسول، وبذلك يكون الغسل كاملا. فأما إذا غسل جسده كله مرة واحدة ارتفع الحدث ويسمى غسلا مجزئا.
يقول: من نوى غسلا مسنونا أو واجبا أجزأ أحدهما عن الآخر. إذا كان عليه جنابة واغتسل للجمعة نسي غسل الجنابة ارتفع الحدث .
وكذلك لو اغتسل للجنابة كفاه عن غسل الجمعة، وإذا كان عليه حدثان جنابة واحتلام ونوى أحدَهما ارتفعا جميعا، أو كذلك إذا نواهما جميعا، أو نوى رفع الحدث وأطلق ارتفع، أو اغتسل للصلاة الصلاة لا تباح إلا بوضوء وغسل إذا كان عليه جنابة فنوى بغسله أن يستبيح الصلاة أجزأ عنهما ارتفع الحدثان. ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام إلى أنه إذا اغتسل ولم يرتب فإنه يرتفع عنه الحدث ولو لم يتوضأ، وجعل ذلك دليلا على أنه يباح الاقتصار على أحدهما. يعني أنه إذا ارتفع الحدث الأكبر دخل فيه الأصغر، ولكن الاحتياط أنه يقدم الوضوء ويرتبه أو يؤخره ويرتبه، وإذا انتقض وضوؤه في أثناء الاغتسال بريح أو بمس الذكر فإنه يعيد الوضوء فقط.
ثم السنة أنه يتوضأ بالمد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُد ويغتسل بالصاع .
قدروا المُد بأنه رطل وثلث بالعراقي، وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي. وتقدم تحديد القلتين، الاغتسال بصاع، وهذا دليل على النهي عن الإسراف أنه يغتسل بصاع وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وعشر أواق وسبعان بالقدسي. الصاع معروف. المكيال المعروف الذي هو بالبر أربع حفنات باليدين المتوسطتين من البر. يكره الإسراف ولو كان الماء كثيرا جاء في حديث: لا تسرف وإن كنت على نهر جارٍ يعني: على نهر يجري وذلك لأنه إفساد لمالية الماء لماليته.
أما الإسباغ فإنه مأمور به في الحديث: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع الإسباغ لو أسبغ بأقل من المد ارتفع الحدث أو بأقل من الصاع، ولكن السنة أن لا ينقص عن الوضوء بمد وعن الاغتسال بصاع إلى خمسة أمداد.
يجوز ويباح الغسل في المسجد إلا إذا آذى المصلين أو أثر في المسجد رائحة فلا يجوز أن يؤذى به أحد. يجوز الاغتسال في الحمام إن أمن الوقوع في المحرم .
ويراد بالحمام هنا البيوت المحفور لها في البلاد الباردة، الحمامات الأرضية المحفور لها. يكرهون الدخول فيها؛ لأنها تُكشف فيها العورات في ذلك الزمان، ولم يكن هناك سخانات فيحتاجون إلى أن يدخلوها ولم يكن فيها أنوار ولا كهرباء بل هي مظلمة؛ فلأجل ذلك يكرهون الدخول فيها لكن عند الحاجة يجوز .
إذا خيف أنه يمس عورة أحد أو نحو ذلك كره، وإن علم بأنه يقع في محظور بأن يرى أو ترى عورته أو يمس أحد عورته يقينا حرم دخول تلك الحمامات.